Skip to main content

بيان مشترك: تقييد الفضاء المدني وتبعاته على عمليات التوثيق والدعم المقدم لضحايا التعذيب في ليبيا

تونس – بمناسبة اليوم العالمي لدعم ضحايا التعذيب، تدين المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب (OMCT) والشبكة الليبية لمناهضة التعذيب (LAN) القمع…
|
بيان مشترك - Joint statement
بيان مشترك – Joint statement

تونس – بمناسبة اليوم العالمي لدعم ضحايا التعذيب، تدين المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب (OMCT) والشبكة الليبية لمناهضة التعذيب (LAN) القمع الممنهج الذي تمارسه السلطات وأطراف الصراع السياسي ضد المجتمع المدني في ليبيا. إن هذه الحملات، التي تزايدت بشكل ملحوظ منذ بداية عام 2021، أعاقت بشكل كبير النشاط المدني وقلصت تواجد الناشطين المدنيين في ليبيا حيث تصاعد استخدام السياسات القمعية من قبل حكومة الوحدة الوطنية غربا والحكومة التابعة للبرلمان شرقا بفرض قيود مجحفة تمكن المجموعات المسلحة والجهات الأمنية التابعة لها من فرض هيمنتها على المدنيين[1]. لقد ضيقت السلطات الليبية منذ عام 2022 سبل التعاون بين المنظمات غير الحكومية من خلال إصدار قوانين ولوائح محلية تحظر على المجتمع المدني والمنظمات الدولية تنفيذ أي نشاط حقوقي أو إنساني من دون تدخل ومراقبة صارمة وموافقة مسبقة من الحكومة الليبية وتطعن في قانونية منظمات المجتمع الليبي. تعرقل هذه الإجراءات المخالفة لقانون حقوق الإنسان الدولي مبادرات المنظمات المدنية ومدافعي حقوق الإنسان اللازمة لتوثيق حالات التعذيب وتقديم الدعم للناجين منه. يواجه المجتمع المدني العديد من القيود والملاحقة من السلطات والأجهزة الأمنية في ليبيا، الأمر الذي يعيق جهودها للعمل بشكل مستقل.

ليبيا، بلد تنصلت به السلطات من مسؤولياتها تجاه المواطنين والمهاجرين بتوفير الحماية لجميع الأفراد داخل أراضيها، وفشلت في ضمان احترام حقوق الإنسان الأساسية المنصوص عليها في المعاهدات الدولية التي صادقت عليها[2]. تولت منظمات المجتمع المدني الليبي بجدية مهمة التعامل مع احتياجات الفئات الضعيفة والمهمشة التي تأثرت بسبب النزاعات المسلحة المتعاقبة لسنوات، وأخذت على عاتقها مسؤولية الدعوة إلى حماية واحترام حقوق الإنسان وتقديم المساعدة للضحايا، بما في ذلك توفير الدعم الاجتماعي والنفسي والقانوني للضحايا والناجين من الانتهاكات، إلا أن نشطاء المجتمع المدني الليبي ومدافعي حقوق الإنسان ما زالوا يواجهون أساليب التجريم الممنهج، وممارسات  التهديد، والملاحقة، والعنف، ويتعرضون بشكل متكرر ومقصود للاعتقال التعسفي والاخفاء القسري، والتعذيب، والترهيب، ولتشويه سمعتهم من خلال حملات التحريض المشبع  بخطاب الكراهية لتصبغ عليهم طابع الخيانة والعمالة. أدت حملات القمع الممنهجة هذه لإعاقة أنشطة منظمات المجتمع المدني ولعواقب سلبية على عمليات رصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك توثيق جرائم التعذيب وغيره من ضروب المعاملة المهينة والقاسية.

إن فرص الناجين من التعذيب في اللجوء إلى العدالة ضئيلة جدًا أثناء نزاع مسلح، خاصة في الحالات التي يتغلغل فيها الجناة بأجهزة الدولة الأمنية والعسكرية، كما هو الحال في ليبيا[3]. فبسبب انتشار هذه الممارسات في السجون ومراكز الاحتجاز الليبية وخارجها، تسود حتى الان ظاهرة الإفلات من العقاب، وتنكر السلطات الليبية وجود الكثير من الانتهاكات وتتجاهل أهمية السعي لفتح تحقيقات ناجعة وتوفير ضمانات المحاكمات العادلة، وتلجأ بدلا عن ذلك إلى الترهيب والانتقام من المدافعين عن حقوق الإنسان والضحايا لإسكاتهم ولعرقلة الوصول للعدالة والقضاء.

وعلى الرغم من تأكيد البيان الأخير الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة[4] على أهمية إقامة بيئة آمنة للمجتمع المدني في ليبيا، أهمل قرار مجلس حقوق الإنسان التابع أيضا للأمم المتحدة بشكل محبط الإصلاحات المقترحة من قبل المجتمع المدني الليبي التي دعت في حملات المناصرة الموجهة للمجتمع الدولي إلى الضغط على الدولة الليبية لدعم استقلال مكونات الفضاء المدني عن الحكومة، وإلى احترام وحماية المدافعين عن حقوق الإنسان في ليبيا. حيث تجاهل قرار مجلس حقوق الإنسان واقع أن الجهات الأمنية التابعة للدولة الليبية مثل الأمن الداخلي تملك الآن – بحكم القوانين والإجراءات التعسفية المفروضة من قبل السلطات الليبية- الشرعية لقمع حرية تكوين المؤسسات المدنية وحرية التعبير والتجمع، وتتناسى التأكيد أيضا على أهمية حماية موثقي جرائم الحرب والتعذيب من ناشطي المجتمع المدني.

إن ضمان بيئة آمنة من خلال تقنين الحماية وتشجيع استقلال النشاط المدني في ليبيا أمر بالغ الأهمية بالنسبة للدولة الليبية. حيث يعمل المجتمع المدني كجهة منظمة ومسؤولة ليس فقط عن مراقبة تقيد الدولة بالتزاماتها الدولية، ولكن أيضًا لتأسيس دولة تستند على مبدأ سيادة القانون واحترام الحريات والامتثال لحقوق الإنسان.  إن الحفاظ على استقلالية المجتمع المدني الليبي عن الحكومة ضروري أيضا لتقديم الدعم اللازم لضحايا التعذيب وعائلاتهم لا سيما من عنف الدولة.

تحث المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب (OMCT) والشبكة الليبية لمناهضة التعذيب (LAN) السلطات الليبية على:  

  • دعم المجتمع المدني الليبي بشكل مقنن من خلال تمرير تشريعات وقوانين تضمن استقلال عمله بشكل تام عن السلطات الليبية وتمنع المراقبة والتحكم فيه بما يضمن حرية العمل في مجال توثيق الانتهاكات لتحقيق حماية شاملة للضحايا، خاصة أولئك الذين يتأثرون بالعنف والتعذيب الممارس من قبل أجهزة الدولة.
  • تنفيذ إصلاحات تشريعية تستهدف نصوصا بقانون العقوبات الليبي وقانون الجرائم الالكترونية والتي يمكن بموجبها محاكمة ومعاقبة الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
  • توفير الحماية لمدافعي حقوق الإنسان بإيقاف وسائل وحملات عرقلة المجتمع المدني والناشطين الذين يعملون في مجال توثيق حالات التعذيب وجرائم الحرب في ظل غياب وضعف آليات المراقبة حاليا داخل ليبيا وضمان التعجيل بالتحقيقات الشاملة والعادلة في انتهاكات القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان للقضاء على ظاهرة الإفلات من العقاب.
  • إيقاف فرض الطلبات التعجيزية المتكررة لتسجيل المؤسسات المدنية التي تهدف لتعطيل العمل المدني وعرقلة الخدمات الإنسانية في ليبيا.
  • تقديم المساعدة والدعم اللازمين لحماية ضحايا التعذيب وتمكين المجتمع المدني من الوصول للضحايا داخل مراكز الاحتجاز وخارجها.

تحث المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب (OMCT) والشبكة الليبية لمناهضة التعذيب (LAN) المجتمع الدولي ومجلس حقوق الإنسان على:

  • أن تضغط على السلطات الليبية من أجل معالجة أسباب الممارسات والقوانين التعسفية ضد منظمات المجتمع المدني ومدافعي حقوق الإنسان في ليبيا، والتأكيد في خطابها مع الدولة الليبية على أهمية محاسبة مرتكبي الانتهاكات.
  • أن يستمر المجتمع الدولي والآليات الدولية في التشديد على ضرورة استقلال المجتمع المدني عن الحكومة من أجل توفير القدرة والسعة لتوثيق جرائم الحرب، وجرائم التعذيب التي أصبحت ممارستها الممنهجة تشكل جرائما ضد الإنسانية في ليبيا.
  • أن تصغي الأمم المتحدة والآليات الدولية لاقتراحات المجتمع المدني التي تهدف لتحقيق السلام والتحول الديمقراطي طبقا للقواعد والمعاهدات الدولية ولقانون حقوق الإنسان الذي يسعى المجتمع الدولي للتأكيد على احترامه والامتثال لقواعده الملزمة.

[1] قالت سوزان جبور، رئيسة اللجنة الفرعية لمنع التعذيب: «في سياق الإنصاف، تلعب منظمات المجتمع المدني دوراً حاسماً في حماية حقوق ضحايا التعذيب وغيره من المعاملة، أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة من خلال توفير الدعم الطبي والنفسي والاجتماعي بالإضافة إلى الخدمات القانونية والاجتماعية».

[2] العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة، أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.

[3] تم دمج معظم الجماعات المسلحة في ليبيا في قطاع الأمن والجيش تحت إشراف وزارة الداخلية ووزارة الدفاع.

[4] بيان رئيس مجلس الأمن بشأن ليبيا 16 آذار/مارس 2023