
عشية الإحاطة نصف السنوية التي سيقدمها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في نيويورك بتاريخ 15 مايو 2025 حول تطورات ملف ليبيا، تدعو منظمة رصد الجرائم في ليبيا (“رصد”) إلى اتخاذ خطوات عاجلة لضمان المحاسبة على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي، وبوجه خاص فيما يتعلق بقضية أسامة إنجيم والانتهاكات الجسيمة المنهجية المرتكبة من قبل جهاز دعم الاستقرار.
تابعت رصد ببالغ القلق التطورات الأمنية المتسارعة في مدينة طرابلس، والتي شهدت في 12 مايو 2025 مقتل عبد الغني الككلي (“غنيوة”)، رئيس جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي، وأحد أبرز قادة الجماعات المسلحة في العاصمة، والمتهم بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، قد ترقى إلى جرائم دولية. وفي اليوم التالي، سيطرت مجموعات مسلحة تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية بحكومة الوحدة الوطنية على عدد من المقار الأمنية والسجون غير الرسمية التابعة للجهاز، ونُشرت مقاطع مصوّرة توثق عمليات تحرير محتجزين.
وفي 13 مايو 2025، وبعد أقل من 24 ساعة على مقتل الككلي، أصدر رئيس حكومة الوحدة الوطنية حزمة من القرارات شملت إلغاء ودمج عدد من الأجهزة الأمنية، وكان من أبرزها قرار حل جهاز “إدارة العمليات والأمن القضائي”، الذي يرأسه أسامة إنجيم، المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية بموجب مذكرة توقيف بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، من بينها التعذيب، الاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري.
وتأتي هذه التطورات بعد أقل من أربعة أشهر على توقيف إنجيم من قبل الشرطة الإيطالية في مدينة تورينو بتاريخ 19 يناير 2025، تنفيذًا لمذكرة التوقيف، إلا أنه أُفرج عنه بشكل مفاجئ في 21 يناير، استجابةً لطلب رسمي من النائب العام الليبي. وتشكل هذه الخطوة إخلالًا جسيمًا بالتزامات ليبيا الدولية وتقويضًا لمبدأ المساءلة، كما تعكس تقاعس السلطات الليبية المتعمد عن التعاون مع المحكمة وتقويضها لجهود العدالة الدولية.
وإذ تؤكد منظمة رصد أن قرار حل الجهاز الذي كان يترأسه أسامة إنجيم، المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية، لا يُعفي السلطات الليبية من مسؤولياتها القانونية، كما أن الجرائم والانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها جهاز دعم الاستقرار، لا تسقط بالتقادم أو بحل الجهاز أو بمقتل قياداته، وتبقى المسؤولية عن التحقيق فيها ومحاسبة المسؤولين عنها قائمة ومُلزمة قانونًا.
- تطالب رصد السلطات في ليبيا، بما في ذلك حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي الليبي والنائب العام الليبي، الى تفعيل آلية التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية التي تم الإعلان عنها في نوفمبر الماضي. كما تطالب رصد بتسليم أسامة إنجيم فورًا، امتثالًا لمذكرة التوقيف الصادرة بحقه، وتسليم كافة المطلوبين للمحكمة لضمان محاسبتهم وعدم إفلاتهم من العقاب.
- تدعو رصد مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى إعادة النظر في تطبيق مبدأ “التكامل” مع السلطات القضائية في ليبيا، وسط الإخفاق المستمر وتسهيلها إفلات الجناة من المحاسبة، وهو ما يُظهر أنها غير مستقلة وغير راغبة وغير قادرة على إجراء محاكمات عادلة وفق المعايير الدولية.
- تحث رصد مكتب المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية على مواصلة التحقيقات الجارية بشأن الجرائم التي تقع ضمن ولاية المحكمة والمرتكبة في ليبيا، لا سيما تلك المنسوبة لجهات مثل جهاز دعم الاستقرار، وإصدار مذكرات توقيف أخرى بحق المتورطين في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وعدم إنهاء ولاية التحقيق مع نهاية عام 2025.
- تدعو رصد الدول الأطراف في نظام روما الأساسي إلى دعم جهود المحكمة الجنائية الدولية في ملف ليبيا، من خلال توفير الموارد المالية والفنية اللازمة، والضغط على السلطات في شرق وغرب ليبيا لاحترام التزاماتها القانونية والدولية.
- تدعو رصد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى دعم عمل المحكمة الجنائية الدولية بشأن ليبيا، من خلال تعزيز آليات المساءلة الدولية، وضمان إدماج المحاسبة في مسارات التسوية السياسية، بما يكفل حقوق الضحايا ويضع حدًا للإفلات من العقاب.
تؤكد رصد أن الإفلات من العقاب هو أحد الأسباب الجذرية لاستمرار الانتهاكات في ليبيا، وأن العدالة الدولية يجب أن تبقى مسارًا قائمًا وفاعلًا لحماية حقوق الضحايا، وتعزيز سيادة القانون، وتحقيق الاستقرار المستدام في البلاد.