تقرير:انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا خلال شهر يونيو 2025

المقدمة
شهد شهر يونيو تصاعد مقلق للانتهاكات الجسيمة والجرائم الدولية التي تُمارس بحق المدنيين في مختلف مناطق ليبيا، من قبل الجماعات المسلحة والأجهزة الأمنية، وعلى وجه الخصوص الاعتقال التعسفي، وذلك في ظل غياب أي إرادة فعلية وجادة للمحاسبة، واستمرار تقاعس السلطات في ليبيا عن الوفاء بالتزاماتها بحماية حقوق الإنسان.
وثق فريق رصد الميداني خلال الشهر مقتل مدني واحد (1) في مدينة بنغازي، ووفاة ناشط واحد (1) في طرابلس بعد اعتقاله تعسفيًا في صرمان، إلى جانب الاعتقال التعسفي لثلاثة وعشرين (23) مدنيًا آخرًا، بينهم طفلان، ونشطاء، وثمانية أجانب، من مدن سرت وبنغازي وأوباري.
كذلك، سجل الفريق الميداني العثور على خمس عشرة (15) جثة يُعتقد أنها تعود لمهاجرين، على شواطئ البحر في مدن طبرق وصبراتة وطرابلس، في مؤشر واضح لاستمرار الانتهاكات الجسيمة ضد المهاجرين، وفشل السلطات في اتخاذ التدابير اللازمة لحماية أرواحهم.
وتُحمّل منظمة رصد الجرائم في ليبيا (“رصد”) المسؤولية القانونية الكاملة عن حالات القتل والاعتقال التعسفي الموثقة خلال هذا الشهر لكل من الكتيبة 20/20 التابعة للواء طارق بن زياد بالقوات المسلحة العربية الليبية، وجهاز الأمن الداخلي التابع للحكومة المعتمدة من مجلس النواب، وجهاز الأمن الداخلي في غرب ليبيا، ومكتب النائب العام الليبي، وحكومة الوحدة الوطنية، باعتبارها الجهات التي ارتكبت هذه الانتهاكات، أو سهلت وقوعها، أو امتنعت عن اتخاذ إجراءات لمنعها ومساءلة المتورطين فيها.
وتؤكد رصد أن ما ورد في هذا التقرير لا يعكس بالضرورة الحجم الكامل للانتهاكات المرتكبة خلال الشهر، بل يقتصر على الحالات التي تمكن الفريق الميداني من التحقق منها وتوثيقها، والتي حصلت رصد على الموافقة المستنيرة من الضحايا والناجين أو ذويهم على نشرها، مع مراعاة عدم نشر أي معلومات قد تعرضهم للخطر.
التفاصيل
1 يونيو
في الأول من يونيو، سجلت منظمة رصد العثور على جثة واحدة (1) مجهولة الهوية، يُعتقد أنها تعود لمهاجر، على شاطئ البحر في مدينة صبراتة. وتم انتشالها من قبل الهلال الأحمر الليبي فرع صبراتة، ونقلها إلى مستشفى صبراتة العام لاستكمال الإجراءات القانونية.
2 يونيو
وثقت منظمة رصد، في الثاني من يونيو، الاعتقال التعسفي لرئيس لجنة الحوار الليبي–الليبي، حسين كنه اقريرة (31 عامًا)، من منزل والده في مدينة أوباري بجنوب ليبيا، من قبل جهاز الأمن الداخلي التابع للحكومة المعتمدة من مجلس النواب، واقتياده إلى سجن الجهاز في مدينة سبها، وما يزال معتقلًا حتى لحظة إعداد التقرير.
وفي ذات التاريخ، سجلت منظمة رصد العثور على جثة واحدة (1) مجهولة الهوية، يُعتقد أنها تعود لمهاجر، على شاطئ البحر في منطقة سوق الجمعة بمدينة طرابلس. وتم انتشالها من قبل الهلال الأحمر الليبي فرع طرابلس، ونقلها إلى المستشفى لاستكمال الإجراءات القانونية.
5 يونيو
في الخامس من يونيو، وثقت منظمة رصد مقتل مراد منصور المذكور (51 عامًا) في مدينة بنغازي، بعد تعرضه لإطلاق نار من قبل مسلحين تابعين للكتيبة 20/20 التابعة للواء طارق بن زياد بالقوات المسلحة العربية الليبية. كما تم اعتقال ثلاثة (3) من أشقائه تعسفيًا لساعات، قبل أن يتم إطلاق سراحهم دون أي إجراءات قانونية.
وأظهرت مقاطع فيديو تحققت منها منظمة رصد مسلحين يرتديان زيًا مدنيًا تابعين للكتيبة، وهما يقتحمان مزرعة الضحية في منطقة سيدي فرج شرق المدينة، ويطلقان النار عليه، ما أدى إلى إصابته برصاصتين نقل على إثرهما إلى مستشفى فينيسيا.
ووفقًا لشهود عيان، فقد اقتحم المسلحين ذاتهم المستشفى لاحقًا، وقاما بتصفيته داخله، كما قاما باعتقال أشقائه الثلاثة. وأشارت إفادات مقربين من العائلة إلى أن الضحية وأسرته كانوا يتعرضون لضغوط وترهيب منذ حوالي شهر، على خلفية رفضهم بيع المزرعة لعناصر تابعين للكتيبة.
10 يونيو
بين الثامن والعاشر من يونيو، سجلت منظمة رصد، العثور على جثتين (2) مجهولتي الهوية، يُعتقد أنهما تعودان لمهاجرين، على شاطئ البحر في منطقة تاجوراء بمدينة طرابلس. وتم انتشالهما من قبل الهلال الأحمر الليبي فرع طرابلس، ونقلهما إلى المستشفى لاستكمال الإجراءات القانونية.
11 يونيو
في الحادي عشر من يونيو، سجلت منظمة رصد العثور على جثة واحدة (1) يُعتقد أنها تعود لمهاجر، على شاطئ البحر في منطقة القره بوللي شرق طرابلس. وتم انتشالها من قبل الهلال الأحمر الليبي فرع طرابلس، ونقلها إلى مستشفى القره بوللي العام لاستكمال الإجراءات القانونية.
13 يونيو
وثقت منظمة رصد في الثالث عشر من يونيو، الاعتقال التعسفي لأربعة عشر (14) شخصًا من المشاركين في “قافلة الصمود” في مدينة سرت، بينهم نشطاء ومدونون، من قبل جهاز الأمن الداخلي التابع للحكومة الليبية المعتمدة من مجلس النواب، وذلك بعد منع القافلة من مواصلة طريقها عبر المدينة، وقطع الإمدادات الغذائية والطبية عنها.
وضمت قائمة المعتقلين أربعة تونسيين، وثلاثة جزائريين، وسودانيًا واحدًا، إلى جانب ستة ليبيين. وقد تم الإفراج عنهم جميعًا في يومي 17 و18 يونيو، بعد أيام من الاعتقال دون إجراءات قانونية. كما أفاد بعضهم بتعرضهم لمصادرة ممتلكاتهم الشخصية من قبل الجهاز.
ومن ذات القافلة، رصدت منظمة رصد الاعتقال التعسفي لخمسة (5) مدنيين من سكان مدينة سرت، بينهم طفلان، من قبل جهاز الأمن الداخلي فرع سرت، وذلك على خلفية تقديمهم مساعدات للقافلة ومشاركتهم فيها. وقد أُخلي سبيلهم جميعًا في اليوم التالي، 14 يونيو، دون اتخاذ أي إجراءات قانونية كذلك.
وجاءت هذه الاعتقالات بعد وصول “قافلة الصمود” إلى مدينة سرت وسط ليبيا، قادمة تونس، ومتجهة نحو معبر رفح على حدود غزة الفلسطينية ومصر، للضغط من أجل كسر الحصار الشامل المفروض على المدينة وإدخال المساعدات الإنسانية العالقة في المعبر.
وفي ذات التاريخ، الثالث عشر من يونيو، سجلت منظمة رصد العثور على جثة واحدة (1) مجهولة الهوية، يُعتقد أنها تعود لمهاجر، على شاطئ بحر تليل الجرف بمدينة صبراتة. وتم انتشالها من قبل الهلال الأحمر الليبي فرع صبراتة، ونقلها إلى مستشفى صبراتة التعليمي لاستكمال الإجراءات القانونية.
21 يونيو
في الحادي والعشرين من يونيو، سجلت منظمة رصد العثور على جثة واحدة (1) مجهولة الهوية، يُعتقد أنها تعود لمهاجر، على شاطئ البحر في مدينة صبراتة. وتم انتشالها من قبل الهلال الأحمر الليبي فرع صبراتة، ونقلها إلى مستشفى صبراتة التعليمي لاستكمال الإجراءات القانونية.
وفي ذات التاريخ، الحادي والعشرين من يونيو، رصدت منظمة رصد العثور على جثة واحدة (1) تعود لمهاجر، بوادي بقشاطة في مدينة طبرق. وتم انتشالها من قبل فرع الهلال الأحمر الليبي بطبرق، بالتعاون مع الإدارة العامة لأمن السواحل بالمدينة، ونقلها إلى المستشفى لاستكمال الإجراءات القانونية، قبل أن تُدفن في اليوم التالي بالمقبرة الإسلامية في طبرق.
22 يونيو
سجّلت منظمة رصد، بين الثالث عشر والثاني والعشرين من يونيو، العثور على سبع (7) جثث تعود لمهاجرين سودانيين، على شواطئ متفرقة بمدينة طبرق، وذلك بعد غرق مركب كان على متنه سبعة وثلاثين (37) مهاجرًا متجهًا نحو أوروبا يوم 13 يونيو. وقد تمّ إنقاذ أحدهم، فيما لا يزال تسعة وعشرون (29) آخرون في عداد المفقودين.
وتمّ العثور على الجثث في مناطق شاطئ أم اقحيقيح، وشاطئ العودة، وشاطئ أم المقارين. وقد تمّ انتشالها من قِبَل الهلال الأحمر الليبي فرع طبرق، بالتعاون مع الإدارة العامة لأمن السواحل طبرق، ونقلها إلى مركز طبرق الطبي لاستكمال الإجراءات القانونية، كما تمّ دفن إحداها في مقبرة طبرق الإسلامية.
30 يونيو
في الثلاثين من يونيو، رصدت منظمة رصد الاعتقال التعسفي للناشط عبد المنعم المريمي (51 عامًا)، بعد اعتراض سيارته بينما كان برفقة طفليه في مدينة صرمان، ، من قبل أفراد تابعين لجهاز الأمن الداخلي فرع صرمان،، حيث اقتيد إلى فرع الجهاز في المدينة، بينما تُرك الطفلان داخل السيارة.
وفي الثالث من يوليو، وبحسب بيان صادر عن مكتب النائب العام الليبي، سقط المريمي من الطابق الثالث بمكتب النيابة العامة وسط طرابلس بعد إحالته إليه، ما أدى إلى إصابته بإصابات بالغة نُقل على إثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة في اليوم التالي، الرابع من يوليو.
التوصيات
- تطالب منظمة رصد الجرائم في ليبيا (“رصد”) السلطات في شرق وغرب ليبيا باحترام الحقوق والحريات الأساسية المكفولة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في حرية الرأي والتعبير، وحرية التجمع السلمي، وحرية التنقل، والحق في العمل الإنساني، والحق في التضامن مع الشعوب المتضررة من النزاعات المسلحة والاحتلال.
كما تدعو رصد إلى الوقف الفوري للاعتقال التعسفي والاستهداف الممنهج للمدنيين، وخاصة المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء والمعارضين السلميين، باعتبار أن هذه الانتهاكات تشكّل خرقًا جسيمًا للحقوق الأساسية، وتُكرّس مناخ الخوف والإفلات من العقاب، وتضعف جهود تحقيق العدالة وسيادة القانون. - تدعو رصد النائب العام الليبي إلى فتح تحقيق مستقل وشفاف في كافة الانتهاكات الموثق خلال الشهر، وخاصة الانتهاكات التي طالت المشاركين في “قافلة الصمود” المتجهة إلى غزة، بما في ذلك الاعتقال التعسفي، ومنع القافلة من مواصلة طريقها، وقطع الإمدادات الغذائية والطبية عنها، ومصادرة مقتنيات بعض المشاركين فيها. وتشدد رصد على ضرورة محاسبة جميع المسؤولين عن هذه الانتهاكات، وضمان مساءلتهم وفقًا للمعايير الدولية للمحاكمة العادلة.
- تجدد رصد مطالبتها للسلطات الليبية بتحمل مسؤولياتها في حماية أرواح المهاجرين على طول مسارات الهجرة في الصحراء والبحر، والتعاون مع المنظمات الدولية المختصة من أجل إنشاء آليات فعالة للبحث والإنقاذ، وتحديد مصير المفقودين، وضمان التعرف على الهويات البشرية. كما تطالب رصد بفتح تحقيق مستقل وشفاف في حوادث الغرق والانتهاكات المرتبطة بالاتجار بالبشر، ومحاسبة المتورطين فيها بما يتماشى مع المعايير الدولية للمساءلة.
- تناشد رصد مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى إعادة النظر في قراره بوقف التحقيقات في ليبيا بحلول نهاية عام 2025، لما قد يترتب على ذلك من ترسيخ لحالة الإفلات من العقاب، في ظل غياب الإرادة والقدرة والفعالية لدى القضاء الوطني، وعجزه عن الوفاء بالتزاماته، وتطبيق مبدأ التكامل المنصوص عليه في نظام روما الأساسي.
- تدعو رصد بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، والدول الفاعلة، إلى تكثيف الضغط على جميع الأطراف لاحترام حقوق الإنسان، والعمل الجاد على تحقيق العدالة الانتقالية، وكشف الحقيقة، وجبر ضرر الضحايا، وإنهاء حالة الإفلات من العقاب التي تغذي استمرار الانتهاكات.