Skip to main content

بيان صحفي: روايات مروّعة عن التعذيب والاغتصاب والمعاملة السيّئة داخل سجن الكويفية

وثّقت منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا ومنظّمة رصد الجرائم في ليبيا شهاداتٍ مروّعة عن التعذيب وغيره من أشكال المعاملة السيّئة التي تح…
بيان صحفي روايات مروّعة عن التعذيب والاغتصاب والمعاملة السيّئة داخل سجن الكويفية
بيان صحفي روايات مروّعة عن التعذيب والاغتصاب والمعاملة السيّئة داخل سجن الكويفية

وثّقت منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا ومنظّمة رصد الجرائم في ليبيا شهاداتٍ مروّعة عن التعذيب وغيره من أشكال المعاملة السيّئة التي تحدث داخل سجن الكويفية، شرق بنغازي، تحت سيطرة المشير خليفة حفتر.

روى خمسة من المحتجزين السابقين تجاربهم المؤلمة ممّا تعرّضوا له من إساءة، كما أدلوا بشهاداتهم بشأن الإساءة بحق السجناء الآخرين داخل جناح الشرطة العسكرية في سجن الكويفية، حيث ارتكبت انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان ضد السجناء. وتشمل هذه الانتهاكات الاختفاء القسري، والاحتجاز التعسفي، والتعذيب، والاغتصاب، وسوء المعاملة، والحرمان من الرعاية الطبية، والحرمان من رؤية العائلة والحصول على محامٍ.

وبحسب الشهادات، فإن جناح الشرطة العسكرية في الكويفية يحتجز أعداداً من السجناء منهم المحتجزون الذين ينتظرون المحاكمات العسكرية، والسجناء الذين يقضون عقوبتهم. ولاحظ الشهود أن بعض المحتجزين يقبعون في السجن بشكل تعسفي منذ أكثر من ثماني سنوات دون محاكمة. كما يضمّ السجن أيضًا العديد من السجناء الذين أمضوا مدة عقوبتهم، ولكن لم يتم الإفراج عنهم. وبحسب ما ورد، فإنّ هذا الجناح يضمّ 700 من المساجين.

وقبل الوصول إلى الكويفية، غالباً ما يتمّ احتجاز الأفراد المتهمين، ويخضعون للاستجواب، والتعذيب على أيدي أجهزة أمنية مختلفة مثل جهاز الأمن الداخلي أو كتيبة اللواء طارق بن زياد. وحكى الشهود عن تفاصيل الأسباب التعسفية لاعتقالهم مثل نشر آراء انتقادية للقوات المسلحة العربية الليبية، وقائدها المشير خليفة حفتر على وسائل التواصل الاجتماعي، أو انخراط أفراد عائلة المعتقل في عمليات قتالية ضد القوات المسلحة العربية الليبية، والنزاعات التجارية مع المسؤولين أو غيرهم من الأشخاص ذوي النفوذ. كما تم اعتقال واحتجاز آخرين على اساس التنميط لأنهم ينحدّرون من مدينة معينة، للاشتباه الذي لا أساس له في أنهم ينتمون إلى جماعات مسلّحة إسلامية متطرفة. أما الغالبية العظمى من المعتقلين فاحتُجزوا بتهمة ملفقة تشمل الانتماء إلى مجموعات محظورة وتنفيذ هجمات ضد الدولة الليبية وفقًا للمادتين 14 و 15 من القانون رقم (3) لعام 2014 والمتعلق بمكافحة الإرهاب، وعليه هم بانتظار المحاكمات أمام المحاكم العسكرية الليبية.

وبمجرد دخولهم الكويفية، ذكر الشهود أن الضرب المبرّح في جميع أنحاء الجسم كان بمثابة ممارسة روتينية لمعاقبة المحتجزين، حيث وصف أحدهم كيف أدّى ضرب أحد السجناء إلى إصابته بكسر ٍ في ساقه. كما يُعتمد ضرب الفلقة على باطن القدم العارية بواسطة العصا، بشكل ممنهج لمعاقبة المحتجزين، وغالبًا ما يحدث ذلك بشكل جماعي ضد السجناء في زنزانة معينة.

يتكون جناح الشرطة العسكرية من أربعة أقسام تضمّ في الإجمال 41 زنزانة. ويعرف أحد هذه الأقسام الأربعة “بالإستاك”، وهو الأسوأ من حيث الظروف المعيشية. وكل زنزانة في الأستاك، كما هي الحال في الأجنحة الأخرى، مكتظة بشدة بمساحة تناهز 3.5 أمتار × 4 أمتار لـ 15 محتجزاً. وبسبب الافتقار إلى الفرش والمراتب، يضطر السجناء للنوم على الأرض. ولكلّ زنزانة وسيلة تهوية ضعيفة من خلال نافذة صغيرة من حوالي 50 × 20 سم. وفيها دورة مياه صغيرة، تفتقر للماء دافئ حيث يحظر استخدام سخانات المياه.

كما يضمّ جناح الشرطة العسكرية 14 زنزانة مخصّصة للحبس الانفرادي تبلغ مساحتها نحو 2 × 2 متر، بدون نافذة، أو سرير، أو فراش، أو إضاءة. وفي بعض الأحيان، يزجّ ما يصل إلى أربعة سجناء في زنزانات مخصصة للحبس الانفرادي. وأوضح الشهود أنه بسبب ذلك، فإنّ أمراض السل والتهاب الكبد منتشرة على نطاق واسع علماً أن أي سجين تظهر عليه الأعراض يُحتجز في الحبس الانفرادي دون أي رعاية طبية.

وفي الفترة ما بين عامي 2017 و 2022، وقع ما يزيد على 16 حادثة وفاة في الحجز في الجناح العسكري في الكويفية. وتنوّعت أسباب الوفاة بين الفشل الكلوي، والنزيف الحاد بسبب البواسير، والسرطان غير المعالج بحسب إفادة الشهود. وروى أحد الشهود: “توفّي صديقي [هناك]، وضربوه بوحشية على كليتيه. ولكن أيضاً بسبب مياه الشرب، فهي مالحة ورائحتها مثل مياه الصرف الصحي “. وذكر الشهود أيضا أن الأدوية التي تقدمها المنظمات غير الحكومية وأقارب السجناء غالبا ما يتم مصادرتها من قبل الحراس ومديري السجن ولا يتم إعطاؤها للمرضى داخل السجن. أكد جميع الناجين الذين تحدثت إليهم المنظمتان أن أي شخص تجرأ على الشكوى من او التحدث ضد ظروف الاحتجاز عوقب كمثال يحتذى به لمعتقلين آخرين.

وكشف الشهود عن أسماء المسؤولين المزعومين عن ظروف السجن ومعاملة المحتجزين، بمن فيهم فرج الزبو – آمر الشرطة العسكرية السابق في سجن الكويفية، والمدير الحالي للسجون الخاضعة لسيطرة القوات المسلحة العربية الليبية وإدارة الشرطة العسكرية. وبحسب إحدى الشهادات، عرّض الزبو رجلاً مسنًا من المرجّح أنّ عمره يتجاوز السبعين عامًا للتعذيب الشديد بضربه مرارًا وتكرارًا بأنبوب بلاستيكي أثناء تعليقه من السقف. كما تمّ الكشف أيضاً عن هويات القائد المساعد بشير الجهني والضابطين خليفة الخشبي وحسين الدرسي لمشاركتهم المزعومة في إساءة معاملة المحتجزين.

كما أفاد الشهود أنّ مدير السجن جمعة المهشهش، المدير الحالي للسجن، كان ينفّذ سياسة التجويع المنتظم بحق السجناء من خلال فرض أوامر صارمة على الحراس لتقديم كمية محدودة فقط من الطعام للمحتجزين (حصتان إلى ثلاث حصص من الطعام لكل خمسة محتجزين) مرتين في اليوم. كما أمر بحظر جميع الأطعمة المحتوية على السكريات، رغم الحاجة الصريحة لبعض النزلاء المصابين بالسكري. قال لنا أحد الشهود: “جمعة المهشهش دمّر حياتنا وأراد قتلنا بتجويعنا”.

هذا وتعدّ ممارسات التحرّش الجنسي والاغتصاب شائعةً أيضًا في الكويفية. فقد أبلغ الشهود الخمسة الذين تمت مقابلتهم عن سماعهم عن العنف الجنسي، والجسدي، والنفسي الذي تعرّضت له افتخار بودراع، وهي ليبية محتجزة منذ عام 2018، على يد الملازم أول حسن نجم. كما يشتبه في النقيب رمضان قاجول كمتهم بارتكابه الاغتصاب، والذي تمّ عزله في العام 2019 على خلفية تقارير عن اغتصاب سجناء ذكور، قبل إعادة تعيينه عام 2022. وزعم أحد الشهود أن وسام الدرسي، موظف شؤون المحتجزين، خصّص مكتباً للاعتداء الجنسي على السجناء الذكور، ولا سيما مواليد العام 2000 وما بعده.

ومن القسم الخاص بالنساء، الواقع على بعد 30 مترًا فقط من حجرات الذكور، يذكر الشهود أيضاً أنهم غالبًا ما يسمعون صراخ النساء والأطفال. وفي حالة من اليأس، أفيد بأن محتجزة حاولت تسلق جدار السجن والانتحار.

ويذكر الشهود أنهم لم يتمكنوا خلال فترة وجودهم في الكويفية من الاتصال بمحامين أثناء احتجازهم ولم يتمكنوا من إبلاغ أسرهم بما يحدث لهم أو بمكان اعتقالهم. وقد سُمح لبعض المحتجزين بزيارات عائلية بعد أن ظلوا رهن الاحتجاز طيلة شهور، اعتمادًا على إرادة مدير السجن المسؤول. وقال أحد الشهود “لم أتمكن من التحدث مع عائلتي لمدة عام ونصف بعد اعتقالي. ولم أتمكن من التحدث إليهم إلا بعد رشوة الحراس “.

وتدعو المنظمات المجتمع الدولي وآليات التحقيق التابعة للأمم المتحدة إلى إثارة موضوع التعذيب المروّع وسوء معاملة السجناء مع السلطات الليبية لضمان حصول المحتجزين على حقوقهم وإخضاع مرتكبي الانتهاكات في سجن الكويفية للمساءلة.

وتحثّ منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا ومنظمة رصد الجرائم في ليبيا السلطات الليبية على القيام بما يلي:

  • الإفراج الفوري عن جميع المحتجزين بشكل تعسفي في الجناح العسكري ما لم يتم توجيه تهم إليهم بارتكاب جرائم معترف بها دولياً بناءً على أدلة موثوقة وسليمة.
  • الإفراج الفوري عن السجناء الذين أنهوا مدة عقوبتهم وينتظرون الإفراج عنهم.
  • وقف محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية. وبدلاً من ذلك يجب محاكمة جميع المدنيين أمام محاكم مدنية بما يتسق مع مبادئ بذل العناية الواجبة وسيادة القانون.
  • ضمان الحق في محاكمة عادلة لجميع المحتجزين على ذمة المحاكمة وضمان محاكمة عادلة بما يتماشى مع المعايير الدولية.
  • التوقف الفوري عن الانتهاكات المرتكبة ضد المحتجزين وتحسين ظروف الاحتجاز، بما يتسق مع القانون الدولي والمعايير الدولية، حرصاً على رفاه المحتجزين.
  • التحقيق على وجه السرعة في مزاعم الانتهاكات، وإيقاف جميع من يخضعون للتحقيق عن العمل على الفور بسبب الانتهاكات وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة.
  • توفير سبل الانتصاف لضحايا الانتهاكات، بما في ذلك التعويض المناسب.
  • ضمان الاتصالات وحصول جميع النزلاء على محامين، وتوفير سبل التواصل مع أفراد أسرهم وحصولهم على الرعاية الطبية الملائمة.

الأمم المتحدة:

– يجب على الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إنشاء هيئة تحقيق مستقلة على وجه السرعة لمواصلة التحقيقات في الجرائم المرتكبة في السجون في ليبيا، بهدف محاسبة المسؤولين عن الجرائم المستمرة المرتكبة في سجن الكويفية والسجون الأخرى في جميع أنحاء ليبيا.

المحكمة الجنائية الدولية:

– يتعين فتح تحقيق فوري ودون مزيد من التأخير في الجرائم المرتكبة داخل السجون في ليبيا بهدف محاسبة المسؤولين عنها وإنهاء دورة الإفلات من العقاب السائدة لأن نمط هذه الجرائم قد يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب.

ملاحظات للمحرّرين:

طلب الشهود الذين تمت مقابلتهم من منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا ومنظمة رصد الجرائم في ليبيا نشر تجاربهم بغية تسليط الضوء على ظروف المحتجزين ووضع حد لأنماط الإساءة في السجون الليبية.

وتبين الشهادات أنماطاً من سوء المعاملة شبيهة بالأنماط التي يواجهها محتجزون آخرون في السجن نفسه، وسبق أن وثقتها المنظمتان. تتوافق روايات الشهود أيضًا مع أنماط الانتهاكات الموثقة من قبل الجمعيات الحقوقية الأخرى وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ولجنة تقصي الحقائق في ليبيا.