Skip to main content

تقرير: شهادات من مركز احتجاز الماية

يُحتجز المهاجرون، وطالبو اللجوء، واللاجئون تعسفا في ظروف غير إنسانية في مراكز احتجاز تديرها وزارة الداخلية التابعة لحكومة الوحدة الوطنية …
صورة ليافطة تبين مقر جهاز دعم الاستقرار
صورة ليافطة تبين مقر جهاز دعم الاستقرار

يُحتجز المهاجرون، وطالبو اللجوء، واللاجئون تعسفا في ظروف غير إنسانية في مراكز احتجاز تديرها وزارة الداخلية التابعة لحكومة الوحدة الوطنية وأخرى تابعة للمجلس الرئاسي الليبي في غرب ليبيا، والقيادة العامة للقوات المسلحة في الشرق، وكذلك في “مستودعات” تُديرها ميلشيات مسلحة وتجار البشر، يتعرض المهاجرين فيها للقتل والتعذيب والعمل القسري، وأشكال أخرى من سوء المعاملة.

وثقت منظمة رصد الجرائم الليبية عدة شهادات لمهاجرين محتجزين في مركز احتجاز الماية غرب طرابلس، وهو أحد عشرات مراكز احتجاز المهاجرين المنتشرة في ليبيا، يشرف عليه ما يعرف بـ “جهاز دعم الاستقرار”، حاولنا في هذا التقرير تسليط الضوء على الوضع الإنساني والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان داخل هذا المركز، كل ماورد في هذا التقرير بناء على شهادات شهود وضحايا وثقت من قبل مكتب الرصد والتوثيق بالمنظمة وتأكدنا من صحتها، وقد أخفينا هويات الشهود حفاظا على سلامتهم الشخصية، وتم ذكر بقية الأسماء التي وردت في الشهادات.

جهاز دعم الاستقرار:

أنشأ “جهاز دعم الاستقرار” بقرار رقم 83 لسنة 2021 من قبل رئيس المجلس الرئاسي السابق “فائز السراج” وكلف “عبد الغني بالقاسم خليفة” المعروف باسم “اغنيوة الككلي” رئيسا له، على أن يكون مقره الرئيسي في طرابلس، وله فرع يسمى فرع الغربية، مسؤول عن مناطق غرب طرابلس حتى الحدود مع دولة تونس ويقع ضمن نطاق هذا الفرع مركز احتجاز الماية، ويدير المركز شخص يدعى “محمد الكابوطي” حسب روايات شهود، وبعد البحث عثرنا على صفحته الشخصية على فيسبوك وفيديو حديث نشر بتاريخ 24 يناير 2022 يظهر الكابوطي من داخل المركز.

صورة ملتقطة من فيديو يظهر محمد الكابوطي بالقرب من مركز احتجاز الماية

صورة رئيس جهاز دعم الاستقرار عبد الغني الكلكلي رفقة وكيل وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية نشرت على صفحة الجهاز على فيسبوك

مركز احتجاز الماية:

بعد البحث تبين لنا أن مركز الاحتجاز عبارة عن مصنع أدوية حكومي مغلق منذ 2011، استولى عليه “جهاز دعم الاستقرار” ويستخدمه كمركز لاحتجاز المهاجرين، ويقع على بعد 500 متر تقريبا من شاطئ البحر في منطقة الماية الواقعة غرب مدينة طرابلس بحوالي 30 كيلومتر.

موقع مركز احتجاز الماية

صورة لمصنع الماية للأدوية الذي تحول الى مركز احتجاز بعد إغلاقه

وحسب شهادات الضحايا، يوجد بداخل المركز ما بين 1500 الى 1700 مهاجر محتجز، من بينهم 50 طفل تقريبا منهم 30 طفل مصري و14طفل مغربي، وهناك قسم منفصل خاص بالنساء لا توجد معلومات عنه، يحتجز بالمركز مهاجرين من جنسيات مختلفة اغلبهم من الجنسية المصرية والسودانية والمغربية والسورية والنيجيرية والسنغالية.

ظروف الاحتجاز:

يروي احد الضحايا الظروف السيئة للاحتجاز داخل المكان، وذكر انه لا يوجد أغطية أو فرش للنوم وكان الجميع ينامون على الأرض يعانون من البرد، ويعانون من صعوبات في التنفس بسبب التهوية السيئة واكتظاظ المكان، أما بالنسبة للأكل فهو عبارة عن قطعة خبز وقنينة مياه لكل شخص، وأحيانا معها علبة مربى صغيرة في العاشرة صباحاً، وفي الساعة السادسة مساءً أيضا قطعة خبز وقنينة مياه، ومن فترة لأخرى يقدمون وجبة مكرونة، وقال شاهد آخر أن المياه لا تكفي ونضطر للشرب من “دورة المياه” وهي مياه غير نظيفة تسببت لبعض المهاجرين في مغص في البطن.

السجن يحتوي على 5 دورات مياه ودائما مشغولة بسبب العدد الكبير للمحتجزين مما يصعب على أي شخص الحصول على فرصة للوصول الى دورة المياه في الوقت المناسب خصوصا مع عدم وجود أغطية للوقاية من البرد، كما أن الأطفال يتشاركون نفس دورات المياه مع البالغين.

التعذيب وسوء المعاملة:

يتعرض المهاجرين بداخل السجن للضرب بشكل يومي من قبل الحراس، مستخدمين العصي وخراطيم المياه وكوابل الكهرباء ومواسير المياه البلاستيكية، وعادة ما يكون الضرب خلال عملية تنظيم الصفوف أثناء توزيع الطعام، أو في الصباح الباكر من اجل النهوض من النوم، وأحيانا يتعرض بعض المهاجرين لضرب قوي وتهديد بالقتل بدون أي سبب.

كما ذكر أحد الشهود أن هناك سته من المهاجرين يشاركون الحراس في مراقبة السجناء وتوزيع الأكل والضرب، ويقومون بهذه الأعمال مقابل الحصول على مزايا من عناصر “جهاز دعم الاستقرار” مثل الطعام واستعمال الهاتف.

وسمى الشاهد ثلاثة أفراد أحدهم يدعى “عبد الحميد” مصري الجنسية، والآخر “عبد السلام” مغربي الجنسية، وهم من يقومون بضرب المهاجرين في الغالب.

وذكر شاهد آخر أسماء مهاجرين نيجيريين اثنين، يشاركون عناصر جهاز دعم الاستقرار في ضرب المهاجرين المحتجزين، أحدهم يدعى “راستا” والآخر “فوتا” ويتحصلون بالمقابل على مزايا مثل بطانية وطعام أفضل وسجائر.

القتل والوفيات:

أثناء وجود أحد الشهود داخل مركز الاحتجاز ما بين أكتوبر 2021 ويناير 2022 شهد بنفسه على وفاة سبعة (7) مهاجرين، منهم ثلاثة (3) من الجنسية المغربية ومهاجرين اثنين (2) من الجنسية المصرية ومهاجرين اثنين (2) من الجنسية السودانية.
كما أكد شاهد آخر انه كان حاضرا لحظة وفاة (3) مهاجرين مغاربة وأضاف أن هناك (4) مصريين لقوا حتفهم داخل المركز، وتوفي أيضا شخصين اثنين من جنسيات أفريقية لا يعرفها، وقال إن اغلب الوفيات كانت بسبب الضرب أو المرض أو الجوع.

أحد المهاجرين المغاربة يدعى “عبد العزيز الحرشي” بقي مريض لمدة 3 أيام ولم يلقى خلالها أي رعاية طبية، وتوفي على إثر ذلك، وبعدها صلوا عليه صلاة الجنازة داخل السجن ثم نقل الى الخارج ولا يعلم الشاهد الى أين تم نقله، والثاني يدعى “محمد عطّا” لم يكن يعاني من أي مرض حسب رواية الشاهد وتفاجأ الجميع بوفاته في صباح أحد الأيام، أما الثالث يدعى “حمزة غداده” قبل وفاته بيوم تعرض للضرب وفي الصباح عثر عليه متوفي في مكانه حسب شهادة أحد الشهود.

وقد تواصلنا مع أسرة احد الضحايا، وأفادوا بأنهم علموا عن طريق احد المهاجرين الذين خرجوا من مركز الاحتجاز بأن ابنهم توفي داخل مركز الاحتجاز في شهر ديسمبر 2021 ولكن لم يعرفوا أسباب الوفاة على وجه التحديد ولم يعرفوا أين نقل جثمانه حينها، وأفادت أسرة الضحية انهم بعد حوالي ثلاثة أسابيع من وصول خبر وفاة ابنهم تحصلوا علي معلومة تشير إلى وجود الجثمان في ثلاجة الموتى بمستشفى الزهراء الواقع في ضواحي مدينة طرابلس، ومن ثم قاموا بإبلاغ السلطات المغربية لكي تتخذ إجراءات نقل الجثمان من ليبيا الى المغرب، لكنها لم تستجب الى مطالبهم حتى تاريخ نشر هذا التقرير.

كما ذكر اثنين من الشهود أن هناك مهاجر سوداني الجنسية قُتل علي يد أحد عناصر جهاز دعم الاستقرار بعد أن قام بضربه عدة مرات على رجله بواسطة ماسورة مياه حديدية، ثم ضربه بقوة على رأسه مما أدى الى وقوعه على الأرض مغشيا عليه ثم نقل الى خارج السجن، وبعدها سمعوا من الحراس انه توفي.

الإهمال الطبي:

كانت شهادات الشهود الذين تحدثنا معهم متطابقة حول الوضع الصحي للمحتجزين وقالوا إن اغلب المهاجرين كانوا يعانون من الأمراض الجلدية المنتشرة داخل السجن وأكثرها “الجرب” بسبب عدم وجود معدات النظافة الشخصية والملابس النظيفة ومنعهم من الاستحمام طيلة فترة الاحتجاز، كما انه لا توجد أدوية أو طبيب يكشف عن المرضى، ولا يوجد علاج للجروح التي تلتهب إثر الضرب.

مساعدات إنسانية:

كان هناك أشخاص يعتقد أحد الشهود بأنهم ليبيون يزورون مركز الاحتجاز بين فترات غير منتظمة، يقدمون لهم بعض المساعدات الإنسانية مثل الفرش وبعض الطعام ويتوسطون لهم لإجراء مكالمات مع عائلاتهم من هواتفهم الشخصية، كما تدخل بعضهم لإطلاق سراح عدد من المهاجرين المرضى داخل المركز، وقال أحد الضحايا الذين وثقنا حالاتهم انه في احدى الزيارات كان مريض بالحمى فقاموا بالتدخل والوساطة لإخلاء سبيله بعد احتجازه لمدة ثلاثة أشهر كاملة.