Skip to main content

ورقة تلخيصيه حول انتهاكات حق التظاهر والتجمع السلمي في ليبيا

مقدمة: تستمر المخاطر والممارسات القمعية الممنهجة التي تهيمن على وضع حقوق الإنسان بشكل عام في ليبيا، وخصوصا تلك الانتهاكات المتعلقة بحقوق …
ورقة تلخيصيه حول انتهاكات حق التظاهر والتجمع السلمي في ليبيا
ورقة تلخيصيه حول انتهاكات حق التظاهر والتجمع السلمي في ليبيا

مقدمة:

تستمر المخاطر والممارسات القمعية الممنهجة التي تهيمن على وضع حقوق الإنسان بشكل عام في ليبيا، وخصوصا تلك الانتهاكات المتعلقة بحقوق التظاهر والتجمع السلمي وحرية التعبير عن الرأي، هذه الحقوق التي يكفلها الإعلان الدستوري الليبي والمعاهدات الدولية.

تصاعدت وتيرة هذه الممارسات القمعية مع خروج الاحتجاجات الشعبية خصوصا مع تزايد الإحباط بين الليبيين من أطراف الصراع المتناحرة منذ سنوات في شرق البلاد وغربها، فضلا عن الانقسام السياسي الذي تجدد في مارس الماضي، وقسّم السلطة إلى حكومتين متنازعتين، لاسيما بعد فشل تنظيم الانتخابات التي كان مزمع عقدها في ديسمبر 2021.

نغطي في هذه الورقة الفترة الزمنية منذ بداية عام 2020 وحتى يوليو 2022، وندرس فيها أنماط الانتهاكات ضد المتظاهرين التي سجلها فريق الرصد والتوثيق بالمنظمة والمناطق التي وقعت فيها، وليس بالضرورة أن تعكس الأعداد المذكورة الكم الحقيقي للانتهاكات، فهناك بالتأكيد حالات لم نستطع الوصول إليها أو لم نتمكن من تأكيدها.

انتهاكات ضد المتظاهرين:

سرت:

شهدت مدينة سرت وسط ليبيا الواقعة تحت قبضة أمنية مشددة، حملات اعتقال متكررة وأعمال قمعية واستهدف للمتظاهرين، ففي 25 أغسطس من عام 2020 قتل متظاهر وجرح 7 آخرين على الأقل، واعتقل العشرات تعسفيا، من قبل كتيبة 166 وكتيبة طارق بن زياد التابعة للقيادة العامة للقوات المسلحة الليبية، التي استعملت الرصاص الحي لقمع المظاهرات السلمية التي نظمها أنصار سيف الإسلام القذافي.

ومنذ نوفمبر 2021 سجلنا اكثر من (20) حالة اختطاف واختفاء قسري طالت متظاهرين من بينهم (3) صحفيين، قام بها جهاز الأمن الداخلي وكتيبة طارق بن زياد، بسبب المشاركة في مسيرات واحتجاجات سلمية بالمدينة، وكانت احدى هذه المظاهرات تدعم ترشح سيف الإسلام القذافي للانتخابات الرئاسية، ووقفة احتجاجية أخرى في 19 مارس 2022 طالبت بتعويض ضحايا الضربات الجوية التي قام بها حلف شمال الأطلسي ضد المدنيين في سرت عام 2011، وظل بعض المتظاهرين قيد الاعتقال والاختفاء القسري في سجن الكويفية بمدينة بنغازي لأكثر من 100 يوم، دون أن توجه لهم أي تهم أو يعرضوا على النيابات المختصة، واجبروا على توقيع تعهدات بعدم المشاركة في أي مظاهرات مرة أخرى مقابل إخلاء سبيلهم.

طبرق:

لا يختلف الحال في مدينة طبرق أقصى الشرق، حيث تعرض متظاهرين مطالبين بالانتخابات أمام مبنى مجلس النواب في يناير 2022 لاعتداءات من رجال الأمن، ووثقت المنظمة انتهاكات طالت (5) متظاهرين منها الاعتقال التعسفي والتهديد واستخدام القوة المفرطة ضدهم، كما دُهست احدى المتظاهرات بسيارة يقودها عناصر أمن مبنى البرلمان، وتكررت الاعتداءات مرة أخرى خلال احتجاجات الأول من يوليو 2022 حيث اختطف ناشط يبلغ من العمر 52 سنة، لأسباب تتعلق بمشاركته في الاحتجاجات ضد الأوضاع المعيشية قرب مقر مجلس النواب الليبي، ولايزال مصيره مجهول حتي نشر هذه الورقة، رغم المطالبات من المنظمات الحقوقية و نداءات عائلته وزوجته بالكشف عن مصيره.

كما اختطف ولد قاصر بالغ من العمر 17 سنة، بعد اقتحام منزل أسرته بمدينة طبرق من قبل مسلحين يتبعون مديرية الأمن بالمدينة، في محاولة منهم لاعتقال والده لذي يعد أحد النشطاء المشاركين في الاحتجاجات الأخيرة بالمدينة، وظل 15 يوم قيد الاحتجاز، قبل أن تم إخلاء سبيلة دون توجيه تهم له أو عرضه على النيابة.

مصراتة:

ولم يكن الوضع في مدينة مصراتة أفضل حالا، فعقب موجة الاحتجاجات في مطلع يوليو الماضي، اعتقلت قوة العمليات المشتركة ومديرية أمن مصراتة سبعة (7) متظاهرين تعسفيًا بالقرب من مبنى المجلس البلدي بالمدينة قبل أن يتم إخلاء سبيل ستة (6) منهم بعد ساعات، واستمر احتجاز أحد منظمي المظاهرات لمدة عشرون يوما تعرض خلالها للتعذيب ومنعه من التواصل مع أسرته ومحاميه قبل أن يتم أخلاء سبيله دون توجيه أي تهم له.

سبها:
وفي سبها جنوب ليبيا يبدو الوضع أكثر سوءا، حيث قتل طفل وجرح أكثر من (20) أخرين بينهم أطفال في 17 فبراير 2021 بعد سقوط قذيفة على حشد كانوا في مسيرة احتفالية بمناسبة ذكرى ثورة فبراير وسط المدينة، وتكررت الاعتداءات ضد المتظاهرين في سبها مرة أخرى في 5 يوليو 2022 حيث أطلق مجهولين النار على تجمع من المحتجين ضد تردي الأوضاع المعيشية في وسط المدينة قتل على إثر ذلك أحد المتظاهرين بعد لحظات من إسعافه للمستشفى.

وفي نوفمبر منعت كتيبة طارق بن زياد التابعة للقيادة العامة للقوات المسلحة الليبية خروج مظاهرات تطالب بتحسين الأوضاع المعيشية وسط المدينة وأمام مجمع المحاكم دون توضيح أسباب المنع.

طرابلس:

على إثر الاحتجاجات التي نظمها حراك 23 أغسطس في العاصمة طرابلس عام 2020، والتي رفعت شعارات ضد الانقسام السياسي وتردي الأوضاع المعيشية والفساد، سجلنا إصابة متظاهر جراء استخدام الرصاص الحي من قبل أجهزة أمنية تابعة لحكومة الوفاق الوطني وسط طرابلس، والتي اعتقلت تعسفيا (10) من النشطاء المتظاهرين على الأقل، قبل أن يخلى سبيلهم جميعا في 29 أغسطس.

بدورهم لم يسلم المهاجرون وطالبي اللجوء من الاعتداءات على حقهم في التظاهر، فقد شن جهاز الهجرة مدعوما بعناصر من كتيبة فرسان جنزور هجوما غير مبرر على اعتصام سلمي لمهاجرين أمام مكتب المفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بطرابلس في مطلع يناير 2022، واستخدم العناصر المسلحين القوة المفرطة والرصاص والضرب لفض الاعتصام وطرد المهاجرين المطالبين بالإجلاء الفوري وتوفير الحماية، وأصيب على اثر ذلك الهجوم مهاجر من الجنسية السودانية بعيار ناري، وجرح اكثر من 20 أخرين من بينهم نساء، واعتقلت قوات الأمن قرابة 600 مهاجر بطريقة غير إنسانية واضرموا النار في خيام الاعتصام لمنعهم من العودة مجددا.

المرج:

فرقت قوات مديرية الأمن وجهاز الأمن الداخلي بمدينة المرج الواقعة شرق بنغازي، احتجاجات خرجت تنديدا بالأوضاع المعيشية، وشنت حملة اعتقالات واسعة ضد المحتجين بتاريخ 12 سبتمبر متهمتا إياهم بالمشاركة في أعمال تخريبية، واستمرت هذه الحملة لأيام، ونتج عنها اعتقال ما لا يقل عن (30) متظاهر، قبل أن يخلى سبيلهم بعد التوقيع على تعهدات بعدم الخروج في مظاهرات مره أخرى.

الإطار القانوني:

رغم ضمان حق التظاهر السلمي في المعاهدات الدولية المصادقة عليها ليبيا، ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية، المادة الثانية[1]، وكذلك تضمن المادة 14 من الإعلان الدستوري الليبي[2] حق التظاهر، وأيضا نص قانون (65) لسنة 2012 لتنظيم حق التظاهر السلمي[3]، الذي بدوره يواجه انتقادات من قبل قانونيين وحقوقيين يرو انه يضم موادا قامعة لحق المواطن في التظاهر والتعبير بطرق سلمية، وخصوصا انه يشترط الحصول على إذن مسبق من السلطات قبل خروج المظاهرات للشارع إضافة لتحديد الجهة المنظمة لهذه الفاعليات وزمانها ومكانها.

الخلاصة:

منذ 2020 وحتى الآن، أشرفت السلطات و الحكومات المتعاقبة في شرق ليبيا و غربها والمجموعات المسلحة التابعة لها على حملات خطف واعتقال تعسفي طالت العشرات من المتظاهرين في مناطق متفرقة من ليبيا، لم تستثني الفئات الهشة من بينها النساء والمهاجرين، كما واستخدمت القوة المفرطة لتفريق بعض التظاهرات والوقفات الاحتجاجية والتجمعات السلمية في عدة مدن ليبية، علاوة على التهديدات وحملات التحريض، كما وقامت القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية وحكومة الوحدة الوطنية باستصدار قرارات تمنع التظاهر بدون أخذ موافقة أمنية، بالإضافة الى وجود نص قانون يقيد التظاهر، هذه الإجراءات التعسفية والممارسات القمعية ساهمت في تقييد الحق في التظاهر و التجمع السلمي بشكل واضح، وشكلت ولازالت تشكل تهديد لأمن وسلامة المشاركين في المظاهرات.

باستثناء تلك المظاهرات التي تنظمها السلطات سواء في شرق ليبيا أو غربها، يعد الخروج في أي تجمع أمر بالغ الخطورة، ويضع المتظاهر في خطر حقيقي، خصوصا مع النهج الذي تتبعه السلطات في تلفيق تهم فضفاضة للمتظاهرين منها ما يتعلق بالأمن القومي، والتخريب وأعمال الشغب.

ورغم كل تلك الانتهاكات لم تجري الجهات ذات العلاقة من بينها النائب العام الليبي والمحامي العام في بنغازي أي تحقيقات جدية وذات فعالية للوصول الى المسؤولين عن تلك الانتهاكات تمهيدا لمحاسبتهم، الأمر الذي يعزز ظاهرة الإفلات من العقاب في ليبيا.

التوصيات:

  • على حكومة الوحدة الوطنية والسلطات في شرق ليبيا وقف كافة حملات التضييق على النشطاء وأفراد المجتمع المدني والمشاركين في التظاهرات والاحتجاجات السلمية.
  • ونطالب بالإفراج عن المتظاهرين المعتقلين تعسفيا فورا دون قيد أو شرط، والكشف عن مصير المختفين قسريا.
  • كما ندعو النائب العام الليبي بفتح تحقيق شامل في الانتهاكات ضد المتظاهرين.
  • نحث حكومة الوحدة الوطنية والسلطات في شرق ليبيا على العمل بجدية لضمان حق التظاهر والتجمع السلمي، وحرية الرأي والتعبير.
  • نطالب السلطات التشريعية المتمثلة في البرلمان الليبي بتعديل قانون التظاهر بما يتوافق مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والإعلان الدستور الليبي، لضمان حرية التظاهر.

[1] العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية

[2] الإعلان الدستوري الليبي 2011 مع تعديلاته.

[3] قانون (65) لسنة 2012 م. لتنظيم حق التظاهر السلمي